الخميس، 31 أغسطس 2017

كيف كان الحج أيام زمان؟


لكل زمن معطياته وأدواته، فالحج في العصر الحديث اختلف جملة وتفصيلاً عن الأزمنة الماضية، في ظروفه ووسائل مواصلاته ومخاطره. نستعرض أهم معالم وحكايات الحج قبل نحو 117 عاماً، استناداً إلى كتاب "الحج قبل مئة سنة"، للكاتب الروسي يفيم ريزفان، الذي جمع في كتابه تقارير وثائقية كتبها ضابط روسي مسلم دُعي عبد العزيز دولتشين. كانت السلطات القيصرية الروسية أرسلته عام 1898 إلى أراضي الحجاز بقصد الحج كسبب معلن، وبقصد وضع تقرير عن مشاهداته وانطباعاته عن حال بلاد العالم الإسلامي كسبب مضُمر.

النهب والاعتداء

تكمن أخطار السفر للحج في عمليات النهب التي يقوم بها البدو، وفي اعتدائهم السافر على القوافل، وكذلك المقاومة المسلحة التي تبديها بعض القبائل لمرور القوافل في أراضيها. قال دولتشين في تقاريره إن البدو ينقسمون إلى كثير من القبائل التي يشرف على كل منها شيخ، وتشغل كل منها منطقة معينة، وهناك قبائل غالباً ما تتعادى فيما بينها وتهاجم بعضها بعضاً ولها حسابات دائمة بصدد الدم. وهم يعتبرون أنفسهم الأسياد الحقيقيين لمناطقهم، ولهم الحق في أن يجيزوا أو يمنعوا القوافل من المرور في أراضيهم.
يحمل البدوي دائماً الأسلحة في اليدين، سواء بندقية شطف "بقداحة" أو بندقية بفتيل أو رمح، وعلى الكتف أو على الظهر، يتدلى سيف ذو حد أو حدين، وعلى حزامه الجلدي مسدس وخنجر، ولوازم معدنية مختلفة لحفظ البارود والرصاص.
وبندقية الشطف تعتمد في إشعال بارودها على المقمع، الذي يحتوي في قعره على كبريت يشتعل بالضغط على الزناد. ومن أسمائها "القداحي" أو "المقمع". أما بندقية الفتيلة، فهي ذات قصبة طويلة تُدكّ بالبارود من فوهتها بسيخ يسمّى "المدك".  بندقية الرمح هي بندقية يُركب في مقدمتها سكين.
وفي الطريق بين مكة وجدة، حيث الحركة الدائمة، تشكلت عصابات كاملة من قطاع الطرق تنهب وتسلب على الدوام رغم وجود المخافر، أما في الطريق بين مكة والمدينة المنورة وينبع فإن هذا الشر يتطور أثناء حركة الحجاج. فالقبائل برمتها تتعاطى السلب والنهب، من دون أن تعتبر ذلك جريمة، وتبيع علناً وبكل حرية ما تحصل عليه من الأشياء بهذه الطريقة.
ويروي دولتشين أنه أثناء إحدى الوقفات في الطريق بين مكة والمدينة المنورة، ظهر بدوي، وأخذ يتنقل على الركب كله، عارضاً بيع سلاح وحزام وألبسة حج، وبدلة حاج اعترف بقتله على المكشوف، ورغم السعر التافه الذي طلبه لم يعمد أحد من الركب إلى شراء المعروض.
البدو الذين يتعاطون السلب والنهب، يتتبعون القافلة كما تتبع الذئاب الجائعة القطيع، متخفين نهاراً في مكان ما يترقبون المسافرين المتخلفين. وحين تتوقف القافلة في الظلام لأجل الراحة ينقضون عليها، ويحدث في هذه الحال الهرج والمرج. ثم يتسنى لهؤلاء الضواري، أن يختلطوا مع أهل القافلة، ويقطعوا الزنانير التي تحفظ فيها النقود عادة، صاعقين مسبقاً بضعة أشخاص بضربات على مؤخرة الرأس بالهراوة وهو ما يسفر غالباً عن الموت.
وقال الضابط الروسي في تقاريره إن هناك اعتقاداً بأن مقترفي أعمال النهب والسلب هم سواقو جمال القافلة، الذين يعرفون الأشرار، ويعطونهم التعليمات بصدد من ينهبون وكيف. لهذا يحاول المسافرون أن يستميلوا سواقيّ الجمال في قافلتهم، بإعطائهم يومياً البخشيش وبقايا الطعام وما شابه.

مصاعب الانتقال

ويستعرض الكتاب مصاعب الحركة وانتقال الحجاج من مكان لآخر، فتربة جميع الطرق في الحجاز من الرمل الخشن جداً. وهي موجودة بجوار الجبال وتتناثر فيها أحجار متفاوتة الكبر. أما الطرق الضيقة والمعابر فتعترضها كسور من الصخور تصعّب الحركة كثيراً.
وبين مكة المكرمة والمدينة المنورة، توجد أربع طرق إحداها تتلوى حول جبال الحجاز من الشرق، وأخرى من الغرب. واختيار هذه الطريق أو تلك عند الانطلاق من مكة، يجري عادة بإشارة من الشريف الذي يعرف العلاقات بين مختلف القبائل، كما يعرف وضع الأمور بين البدو. وهناك طريق خامسة هي السبيل البحري، لكنه يتسم بالوعورة الشديدة، لذا لا يستفاد منه.
وبحكم العادة عند البدو، يستطيع جميع المارة أن يستقوا الماء من الآبار بلا عائق ومجاناً، أما ماء الصهاريج فلا يمكن الحصول عليها إلا بشرائه.
ونظراً لمخاطر الطريق تسير القوافل عادة في النهار، وتنطلق في الصباح الباكر وتتوقف تبعاً لطول الرحلة. وتصطف الجمال وفقاً لعرض الطريق، في ثلاثة أو أربعة خطوط متوازية. ويمضي سائسو الجمال دائماً سيراً على الأقدام مهما كان الطريق طويلاً. لأن الرِحال التي تشغل مكاناً كبيراً من حيث العرض غالباً ما تتصادم. ثم لا يستطيعون الجلوس عليها، لأنهم قد يتعرضون لخطر الوقوع.
وفي أوقات القيظ من السنة، ينطلق الركب بحكم الضرورة ليلاً، في الساعة الواحدة أو الثانية، ويتوقف الساعة السابعة صباحاً. ثم ينهض في الرابعة بعد الظهر، ويسير حتى الثامنة أو التاسعة مساءً.
والمسافة بين جدة ومكة، تقطعها القوافل عادة في غضون يومين، مع وقفة للمبيت الليل. أما المسافرون على ظهور البغال، فيتسنى لهم قطع المسافة في يوم واحد.

تجارة الرقيق

تنتعش تجارة الرقيق كثيراً أثناء تجمع الحجاج. جاء في الكتاب أن الأرقاء الذين يباعون في الحجاز، ينتمون حصراً إلى قوميتين: الزنوج السود تماماً من السودان، الذين يعتبرونهم في الحجاز أفضل الكادحين ويشترون منهم الرجال والنساء لأجل العمل فقط، والثانية هم الأحباش وهم أقل سواداً وتُباع النساء كمحظيات.
ويشغل سوق النخاسة في مكة حوشاً مفتوحاً غير كبير، تطل عليه أبواب غرف يحبسون فيها المباعين لقضاء الليل. وقال دولتشين: "حين زرت هذا السوق كان هناك زهاء 80 شخصاً، معظمهم شابات حبشيات مع اثنتين أو ثلاث منهن أطفال رضع، وجميعهن مزيّنات ومصفوفات فرقاً على دواوين طويلة. وكان هناك مقعدان يجلس عليهما كادحون راشدون من الزنوج، وهم لابسون بعناية ومقصوصو الشعر، والبقية كانوا أولاداً من ذكور وإناث، يلعبون بمرح وهناء في أماكنهم. أشرف على البيع تاجر عربي نشيط راح يمدح بصوت مدو مزايا بضاعته. اختار بعض الشراة من البدو النساء، وتفحصوا عيونهن وأفواههن، وأجبروهن على خلع ملابسهن".
تتفاوت أسعار الرقيق، فبلغ سعر الفتاة الزنجية الراشدة نحو 20 ليرة تركية، والفتاة الحبشية الراشدة 30 - 40 ليرة، والسعر نفسه بالنسبة للزنجي أو الحبشي. أما الأولاد، ذكوراً وإناثاً، فتراوح أسعارهم بين 10 و15 ليرة.
الشراة على العموم هم من سكان الجزيرة العربية، خصوصاً سكان الحجاز، وفي مكة والمدينة لا يوجد بيت ليس فيه عبد وعبدة يقومان بجميع الأعمال البيتية.
ويشتري الحجاج العبيد، لكي يعتقوهم ويعيدوا إليهم الحرية، لأن إعتاق العبد يعتبر بموجب تعاليم الإسلام من أكثر أنواع الإحسان إرضاءً للرب. وفي جميع مدن الحجاز، وفي جميع القبائل البدوية، يوجد عدد كبير من الأرقاء السابقين الذين أعتقهم أسيادهم أو افتداهم الحجاج.

الأوبئة والأمراض

تنتشر أوبئة الكوليرا أحياناً كثيرة في وقت توافد الحجاج، بمتوسط مرة كل ثلاث سنوات. فتفتك بأكثر من نصف الحجاج، وتمتد إلى أماكن ترحل البدو المجاورة، وإلى أماكن آهلة أخرى في الجزيرة العربية.
أشار دولتشين في تقريره إلى أن هذا الوباء يبدأ أحياناً عند عرفات، ولكن بشكل ضعيف، لذا لا يسترعي الانتباه، لكنه ينتشر بكثرة في منى، ويبلغ قوته القصوى. وإذا سارت جميع الأمور على ما يرام عند الانطلاق إلى عرفات وحتى مساء اليوم الأول من الإقامة في منى، فقد يكون هناك أمل في أن الوباء لن ينشب هذه السنة.
من أشهر الأوبئة التي أصابت موسم الحج، كان سنة 1831، وجاء من الهند إلى الحجاز، ومات بسببه ثلاثة أرباع الحجاج، ونشب الوباء التالي سنة 1834 ثم سنة 1837 وسنة 1840. ثم عاثت الكوليرا فساداً طوال خمس سنوات على التوالي من سنة 1846 حتى 1850، ثم أطل الوباء برأسه في سنة 1865 وكذلك في سنة 1883.
وفي 1895 حصل أيضاً وباء يشبه حمى التيفوئيد أو الزحار "الدوسنتاريا"، فبدأ في قافلة انطلقت من المدينة المنورة إلى مكة، واستمر بدرجة ضعيفة عند عرفات ولم ينتشر في ما بعد، وانتهى في منى.
عام 1866 بدأ تطبيق قاعدة تفرض على الحجاج تقديم أضاحيهم في الأمكنة المعينة وحدها دون غيرها، وطمر جيف الحيوانات المذبوحة، باعتبارها مصدراً لانتشار الأمراض والأوبئة، في حفر مُعدّة سلفاً، ولكن هذا التدبير لم يوضع تقريباً موضع التنفيذ.
وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة، يوجد ما يسمى بالمحجر الصحي، وتوجد لوازم مستشفى متنقل يتسع لثلاثين سريراً، يتعين فتحه في الخيام، إذا انتشر أي وباء. والمحجر الصحي المكي ينتقل مع الحجاج إلى عرفات، ثم إلى منى، حيث يوجد مبنى خُصص من أجله، وفي هذين المكانين، كما في مكة، يغطي المستشفى الأدوية مجاناً، ويقدم الإسعاف الطبي الجوال للحجاج المرضى، وهذا المستشفى يكون عاجزاً تماماً إذا نشب وباء جدي خطير بين هذا العدد من الحجاج.
قامت محاولة لإنشاء مقصورة بخارية في جوار مكة، لتعقيم ألبسة وأمتعة الحجاج العائدين من منى. لكن مبنى المقصورة الذي انتهى بناؤه دمره البدو حين كان الحجاج عند عرفات. حسب ما ذكر الضابط الروسي.

حالة البيوت

وأضاف دولتشين في تقريره عن حالة السكن والشوارع أن البيوت المخصصة لإقامة الحجاج في مكة والمدينة، تتصف ببالغ النظافة والترتيب، ولكن تفوح من بعضها رائحة كريهة في الطوابق السفلى، خصوصاً إذا كان عدد ساكنيها كبيراً. فتنظيف البالوعات يجري غالباً مرة واحدة في السنة، وبعض أصحاب البيوت لا يقومون بهذه العملية إلا مرة واحدة كل سنتين أو ثلاث.
لا تتميز شوارع مكة باستقامة التخطيط ولا بدقته، فالبيوت تتقدم تارة وتتأخر تارة أخرى عن الخط العام. لذلك يختلف عرض الشارع الواحد نفسه في مختلف الأماكن، وتنتصب في الشوارع أكشاك خشبية ملتصقة بالمباني تتحول في زمن الحج إلى دكاكين، كما يصف التجار طاولاتهم، لذا تبدو الشوارع أضيق. ونظراً لعدم وجود الأحواش والأفنية، فإنهم يرمون النفايات في الشارع، وللسبب نفسه يحفظون فيها كل الدواجن، ويجلبون أيضاً الأبقار والماعز. والشوارع مرتع لأسراب كبيرة من الكلاب الشاردة. ولا وجود في مكة للشوارع المرصوفة ولا للرش وللإنارة، إنما يعلق الناس مصابيح الكاز.
ملحوظه....
أي حد يقدر يساعد المرضى بالادويه يتواصل على تويتر معا صيدلية تويتر أو على الفيسبوك معا صيدلية فيسبوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق