"يا شعب ياللى دفع تمن الشوارع دم .. إحفظ أسامى اللى ماتوا فى الشوارع صم" .. هكذا يربط المصريون دوما بين الأرض و الدم ، يعرفون أنهم يدفعون و سيدفعون كل يوم ثمن الأرض دما .
في 23 مايو 1967 ، دوت إذاعة القاهرة بإعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إغلاق مضيق تيران المؤدي إلى خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية ، و في يوم 5 يونيو من العام نفسه اندلعت حرب 67 ، و استشهد و أصيب اﻵلاف من أبناء الوطن في غزة و سيناء و تيران و صنافير ، و من بينهم الأصدقاء الثلاثة الشهيدين "حسني و محمد" و المصاب "عبد السلام" .
و لا يزال أقارب الشهداء يحفظون أسمائهم و أماكن استشهادهم .. و اليوم يشعر أولياء دم الشهداء بغصة تكوي قلوبهم مع إعلان الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية مع ما تضمنته من تسليم جزيرتي تيران و صنافير للمملكة ، فهل تقدر حكومة المهندس شريف إسماعيل ، على مواجهة "عبد السلام" أحد المصابين في معركة الدفاع عن المضيق ، و "أميرة" التي فقدت اثنين من أغلى الناس عندها شقيقها و خطيبها ، لتصاب بشلل نصفي يلازمها حتى اليوم ، و "آمال" التي فقدت عمها ؟!
"دمي ماتحرقش يوم الخبر المشؤوم قد ما بيتحرق كل ما بسمعهم يتكلموا عن تيران ، دمنا و ترابنا رخصوا أوي !" .. تقولها "أميرة محمود عطية" ، و هي تغالب دموعها .
تتذكر "أميرة" أسوأ لحظة في حياتها ، قائلة لـ "البداية" "الخبر جالي من والدي ، قال لي بالنص (حسني و محمد استشهدوا يا أميرة) .. و استمر الصمت دقائق ، ليعقبه إصابتي بشلل نصفي" .
والد أميرة يقصّ حكايته و حكاية ابنته قائلا "أميرة اتخطبت و هي عندها 18 سنة ، حسني كان صديق أخوها محمد الروح بالروح ، كانوا أكبر منها بسنتين .. فضلت سنة مخطوبة ، لحد ماجلنا الخبر ، كان يوم إثنين .. أنا فاكر ، و في يوم واحد فقدت أهم اتنين في حياتها" .
و يواصل "بنت عندها 19 سنة اتشلت ، و أمها توفت بعد الواقعة .. و أنا عجوز قاعد ببنته المشلولة من سنين ، ليه ؟ دفاعا عن أرض الوطن !" .
في سنة 1971 ، تسلمت أسرة الجندي حسني السيد داوود ، أوراق استشهاد ابنها المفقود منذ عام 1967 ، فطبقا لقوانين الجيش يعتبر المفقود شهيدا بعد 4 سنين من فقدانه ، و مع هذا عاش أشقاء حسني على أمل أن يكون حيا ، و أقاموا عزاء صوريا لأبنهم ، إلا أن العزاء الصوري انقلب بشكل دراماتيكي .
تحكي "آمال محمود" إبنة شقيق الشهيد تفاصيل ما حدث قائلة "بابا قالي أنه قال لعمي حسن في العزاء (تصور حسني يدخل دلوقتي و يعرف إن ده عزاه هيعمل إيه) ، قاله (و لا حاجة هيقلب العزا رقص ، إنت مش عارفه يعني الدنيا كلها عنده ضحكة و نكتة أهي دي هتبقى أكبر نكتة في حياته)" .
"دقيقة و مرّ (عبد السلام) صديق عمي الشهيد حسني ، لقى عمي و بابا قاعدين في أول العزاء ، دخل و سأل عمي (مين اللي مات يا حسن ؟) قاله (أبدا ده مجرد عزا صوري عشان بعتوا لنا أوراق إنهم اعتبروا حسني شهيد بعد مرور 4 سنين) ، فرد عبد السلام و قاله (البقية في حياتكم) ، عمي ما فهمش قاله (لأ ده عزاء صوري بقولك) ، قاله (البقية في حياتكم يا حسن حسني مات يومها الساعة 9 الصبح وسامحني إني ماقدرتش أكون حامل الخبر وقتها) .
تتوقف "أمال" قليلا ، قبل أن تضيف لـ "البداية" "عقد العائلة انفرط أول ما عمي الصغير دخل الجيش ، كان والدي في السجن لأنه محامي اشتراكي ، و عمي الآخر يواصل دراسته ، الحرب قامت و هو في الجيش عنده 21 سنة ، لم يفقه أمرا في السياسة أو الحروب ، لكن حارب عشان يدافع عن أرضه ، و لما استشهد ، جدتي توفيت حزنا عليه ، و جدي أصيب بالشلل ، و والدي اتقبض عليه تاني و دخل السجن السياسي ، و عمّي حسن تولى تربيتي و رفض الزواج" .
و كتبت "آمال" في تدوينة على صفحتها على فيس بوك تقول "مات عمي و قرة عين أهلي متقطع حتت في خان يونس يوم 5 يونيو و عمره21سنة و 10شهور و 16 يوم .. حرب 67 قامت عشان عبد الناصر قفل مضيق تيران في وش الصهاينة ، عمي دفع دمه الغالي مهر لأرضنا الغالية ، كل دمعة حسرة من عين جدي و أبويا و عمي تمن غالي قوي .. إحنا دافعين تمن أرضنا من دمنا و دموعنا .. دافعين مهرك غالي يا مصر ، و دمنا مش للبيع" .
و اختتم تدوينة رفض بيع الأرض قائلة "أنا آمال محمود عطية السيد ، من أولياء دم الشهيد حسني عطية السيد أرفض التنازل عن أرضي وأرض جدودي وأرض أبويا و أعمامي و ولادي .. #تيران_وصنافير_مصرية" .
"أنا اللي رجعت فيهم ، بس رجعت مشلول ، و إيه الفرق ؟" ، بهذه الكلمات بدأ الجندي عبد السلام صديق الشهيد "حسني" ، حديثه معنا ، قبل أن يضيف "رجعت البيت .. بس و لا فيه شغلانة عارف اشتغلها ، و المعاش مفيش حيوان يعرف يعيش بيه ، و الأهل ..أمي ماتت بعد ما رجعت بسنتين ، وزوجتي تركتني ، فين الحياة هنا !" .
و يضيف عبد السلام "حياتنا ضاعت على شوية تراب مصري ، متنا و هنموت عليهم ، والنهاردة الناس بتتخانق على نسب الجزيرتين و أهميتهم لينا ، قولوا ليهم في ناس ماتت عليهم" .
ملحوظه....
أي حد يقدر يساعد المرضى بالادويه يتواصل على تويتر معا صيدلية تويتر أو على الفيسبوك معا صيدلية فيسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق